-سورة إبراهيم
أقول: وجه وضعها بعد سورة الرعد زيادة على ما تقدم بعد إفكاري فيه برهة: أن قوله في مطلعها: «كتاب أنزلناهُ إِليكَ» مناسب لقوله: في مقطع تلك: «ومن عِندَهُ علم الكتاب» على أن المراد ب «من» هو: الله تعالى جل جلاله وأيضاً ففي الرعد: «ولقَد استهزئ برسُلٍ مِن قبلِكَ فأمليت للذين كفروا ثم أَخذتهم» وذلك مجمل في أربعة مواضع: الرسل والمستهزئين وصفة الاستهزاء والأخذ وقد فصلت الأربعة في قوله: «أَلم يأَتِكُم نبأَ الذينَ مِن قبلِكُم قوم نوح وعاد وثمود» أقول: تقدمت الأوجه في اقترانها بالسورة السابقة وإنما أُخرت عنها اقصرها بالنسبة إليها وهذا القسم من سور القرآن للمئين فناسب تقديم الأطول مع مناسبة ما ختمت به لبراعة الختام وهو قوله: «واعبُد ربَكَ حتى يأَتيكَ اليقين» فإنه مفسر بالموت وذلك مقطع في غاية البراعة وقد وقع ذلك في أواخر السور المقترنة ففي آخر آل عمران: «واتقوا اللَهَ لعلَكُم تُفلِحون» وفي آخر الطواسين: «كل شيء هالك إِلا وجهه له الحكم وإِليه تُرجَعون» وفي آخر ذوات «الر» : «وانتَظِر إِنَهُم مُنتَظرون» وفي آخر الحواميم «كأَنَهُم يومَ يرونَ ما يوعدونَ لم يلبثوا إِلا ساعة من نهار بلاغ» ثم ظهر لي وجه اتصال أول هذه السورة بآخر سورة إبراهيم فإنه تعالى لما قال هناك في وصف يوم القيامة: «وبرزوا للهِ الواحدِ القَهّار وتَرى المجرمين يومئذٍ مقرنين في الأَصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار» قال هنا: «رُبما يود الذينَ كفروا لو كانوا مسلمين» فأخبر أن المجرمين المذكورين إذا طال مكثهم في النار ورأوا عصاة المؤمنين الموحدين قد أخرجوا منها تمنوا أن لو كانوا في الدنيا مسلمين وذلك وجه حسن في الربط مع اختتام آخر تلك بوصف الكتاب وافتتاح هذه به وذلك من تشابه الأطراف