في قرية صغيرة هادئة يحب أهلها بعضهم بعضاً ظهر فجأة رجل سيرك غريب الشكل والأطوار.
كان شكله من الأعلى يشبه كافة المهرجين بلباسهم الأحمر المرقع وبوجوههم المطلية بالمساحيق البيضاء، وأنوفهم الحمراء الكبيرة، وأفواههم الضاحكة الواسعة.
لكن قسمه الأسفل كان مختلفاً تماماً عن أي كائن عادي.. كان أشبه بحصادة.
سرواله الأحمر يشبه سراويل المهرجين.. لكنه بثمانية أقدام بدلاً من قدمي البشر الاثنتين، ومن بين كل قدم تمتد آلة تشبه المقصلة يجرها بسهولة ويسر. مما أثار استغراب الجميع.
لم يسبق ظهوره أية دعاية أو إعلان عن مهرجان.. أو سيرك.. ولم يحمل يوماً بوقا لينادي به الناس!!.
اجتمع أطفال القرية حولـه أولاً. يدفعهم الفضول لاستكشاف هذا الكائن الغريب.. لكن أحداً منهم لم يجرؤ على الاقتراب منه.
وهو لم يوزع وعوداً بعروض ممتعة.
كان فقط يبتسم في وجه الأطفال بلطف ويقول بهدوء من يعطيني يده.. أعطه مبلغاً كبيراً من المال ثمناً لها.
فيبتعد الأطفال خائفين مذعورين..
سمع حكماء القرية وكبار السن فيها بهذا المهرج الغريب وتدارسوا أمره..
قال كبيرهم: لا بد أنه كائن فضائي من كوكب آخر.. يجب إبلاغ الشرطة.
وقال المختار: قد يكون لصاً متنكراً يريد سرقة خيرات القرية، فلنراقبه جيداً قبل إبلاغ المخفر.
وقال وجهاء القرية: إنه معتوه.. من يمكن أن يستغني عن يده مقابل كنوز الأرض..؟ وابتدأ الجميع بالمراقبة الحذرة.
لم يمضِ يومان حتى شاهد أهل القرية. أبا عبدو صاحب البقالية الوحيدة في القرية.. بيد مقطوعة. وعندما سألوه.. ابتسم بترفع وقال غداً سأشتري سيارة وخادماً فتصبح لي ثلاثة أيد بدلاً من اليد الواحدة.
وبعد يوم واحد شاهدوا أبا سليم سمسار الأراضي بيد واحدة.
سألوه باستنكار فأجاب بتعالٍ: غداً سأشتري الأراضي الخصبة. وستكون عندي مائة يد بدلاً من اليد الواحدة.
مساء اليوم ذاته.. كان أبو جلال مساعد رئيس المخفر يمشي بيد واحدة. قال بلا سؤال.. سأرتاح من أوامر رئيس المخفر سأستقيل وأشتري دكاناً وأرضاً.
كانت المقاصل البارزة من بين أقدام المهرج تمتلئ يوماً بعد يوم برائحة الدم وآثاره.
ولا أحد يعرف ما الذي يفعله المهرج الغريب بهذه الأيدي. ولا بأي شيء يمكن أن تفيده.
لم يمضِ شهر واحد إلا وأغلب سكان القرية قد فقدوا أيديهم. ولا أحد يقبل أن يبيع أرضه أو دكانه لأن كلاً منهم أصبح يملك المال بالقدر ذاته.. عمت الفوضى القرية الهادئة وحل التعالي محل الطيبة والمحبة في التعامل بين الأهالي..
لم ينج من ذلك سوى مختار القرية، وبعض كبار السن الذين اجتمعوا للتدارس ولمحاولة إيجاد حل للمشكلة فأبو عبدو السمان لم يستطع أن يشتري خادماً فلا أحد يريد أن يخدم وهو يملك المال...
وأبو سليم سمسار الأراضي لم يجد من يبيعه أرضاً لأن الجميع يريدون الأراضي ويريدون الخدم فيها.
أبو جلال بعد أن قدم استقالته لم يجد من يساعده في شراء ما يريد ولم يستطع العودة إلى وظيفته وليس بمقدوره العمل عند أحد.. كارثة حقيقية حلت بالقرية الهادئة.
قال المختار: الحل يجب أن يكون عند هذا الغريب الذي سمحنا لـه بقطع أيدينا ذهبوا إليه والشرر يتطاير من أعينهم.. قالوا بحدة وحزم: سممت حياتنا.. أنت من يجب أن يجد الحل!
قال بهدوء: أنا لم أجبر أحداً.
قالوا: صدقت ولكنك أغويت الجميع ومن يغوِ يكن شيطاناً..؟
ضحك ضحكة مجلجلة.. وقال عندي الحل: اجمعوا المال الذي أخذتموه مني وأعيدوه لي وأنا أعيد لكم أيديكم.. وتعود قريتكم إلى حالها السابق من الهدوء والمحبة.
قالوا: أتقسم على أن تعيد الحال إلى سابق عهدها.
قال: أقسم أن أعيد الأيدي.. وأنتم وظيفتكم أن تعيدوا الأمور كما كانت.
تدارس الحكماء الأمر ثم قالوا: سنجبر الجميع على إعادة المال ومن يرفض نطرده خارج القرية. وبعد أخذ ورد ونقاشات حامية وخلافات حادة..
أجبر الحكماء الأهالي على إعادة المال بكامله إذ لا أحد استطاع الاستفادة منه.. جمعوا الأموال وذهبوا إلى المهرج..
قال بثقة: أمهلتكم شهراً لإعادة الأموال.. أمهلوني يوماً واحداً لأعيد الأيدي.
قال المختار: ومن يضمن لنا عدم كذبك وهربك بالأموال.
ضحك المهرج وقال: لست من البشر لأكذب مثلهم..
ومع نظرات الاستغراب التي تبادلها الوفد لم يملكوا إلا الموافقة فليس أما مهم من خيار..
قال بثقة: غداً في مثل هذا الموعد والمكان لنا لقاء.
في اليوم الثاني اجتمع أهل القرية جميعاً في الموعد والمكان المحددين ليروا صانع الأعاجيب كيف يعيد الأيدي إلى أصحابها.
كانت الأيدي المقطوعة مكومة بعضها فوق بعض.
وفوق الكومة لافتة كبيرة كتب عليها لم أكذب.. وفيت بالوعد.. لكن لكثرة الأيدي واجهتني مشكلة صغيرة.. لم أعرف كل يد لمن تعود..!
بإمكانكم حل هذه المشكلة بأنفسكم.. وداعاً..؟
اختفى الغريب مثلما ظهر فجأة.. واختفت معه أمواله وكانت كومة الأيدي ملقاة على الأرض أشبه بالهياكل العظمية. ملأت الدموع أعين أهل القرية.. من يستطيع أن يصلح ما انكسر؟ من يستطيع صنع المعجزات؟ لم يعد أحد يملك المال الذي يجعله متعالياً على جاره..
لم يعد أحد قادراً على الخدمة في أرضه أو أرض غيره، فمن يستطيع العمل بيد واحدة.. إنها غالباً ما تكون عاجزة دون مساعدة أختها.. الثانية التي خلقها الله لهذا الغرض.