الخلق الثاني :الخوف والخشية
عرف العلماغء بتعاريف عدة فقالوا :
1.الخوف توقع مكروه علي أمارة مظنونةأو معلومة.ويضاده الأمن ويستعمل في الأمور الدنيوية والأخروية
وقيل الخوف هو توقع العقوبة علي مجاري الأنفاس
وقيل الخوف هرب القلب من حلول مكروه عند استشعاره
والخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه
وقيل هو سراج في القلب.به يبصر مافيه من الخير والشر
أما الخشية فهي خوف يشوبه تعظيم
وقيل خوف مقرون بإجلال
أما الفرق بين الخوف والخشية أن الخشية أخص من الخوف فالخشية للعلماء 5إنما يخشي الله من عباده العلماء – وقول النبي صلي الله عليه وسلم 5إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية
وقيل الخوف للعامة والخشية للعلماء والعارفين والوجل للمقربين وعلي قدر العلم والمعرفة تكون الخشية(و تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تل\\تم بالنساء علي الفرش ولخرجتم إلي الصعدات تجأرون إلي الله)
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله في مدارج السالكين (الخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء والعارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين وعلي قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية
والفرق بين الخوف والخشية أن الخوف يستعمل ويراد به ضعف الخائف والخشية تذكر ويراد بها عظمة المخوف منه
منزلة هذا الخلق
قال تعالي (وخافون إن كنتم مؤمنين)
وقال (فلا تخشون الناش واخشون)
وقال (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مومنين)
فاخوف من الله والخشية منه منزلة عظيمة لاتكون إلا للمؤمنين وبها يصدع المؤمن بالحق ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر فانت تقارن خوفك من الله بخوفك من الناس فتضع مقارنات بين غضب الله عليك وسخط الناس لانك تعالج أمرا يمسهم.
ما أعده الله للخائفين من الثواب
قال تعالي (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كريم
وفي الحديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله.منهم رجل دعته أمرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ربي العالمين
وفي الحديث عن أبي الدراداء أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم علي المنبر يقول (ولمن خاف مقام ربه جنتان)
فقال أبو الدراداء :وإن زني وإن سرق فأعاد رسول الله الآية فأعاد أبو الدرادء السؤال للمرة الثانية والثالثة ورسول الله يكرر الآية ثم قال (رغم أنف أبي الدرداء)
وقد جاء في الحديث عن الجنتان أنهما (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما.وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما .وما بين القوم أن ينظرو إلي ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء).
وانظر كيف يقول المؤمنين حين يدخلون الجنة (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إن كنا من قبل ندعوه أنه_ هو البر الرحيم )
وفي الحديث القدسي (وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي خوفين ولا أمنين .إن أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي وإن خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي )
وفي ختام سورة النازعات يبين الله ما أعده لمن خافه فقال (وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي فإن الجنة هي المأوي )
وتخيل جنة المأوي هاته (إن في الجنة ما لاعين رات ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر)
قال تعالي (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)
وفي الحديث (ثلاث منجيات خشية الله في السرور والعلانية والقصد في الفقر والغني والعدل في الرضا والغضب)
وفي الحديث (عينان لاتمسهما النار .عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله )
خوف الملائكة والأنبياء عليهم السلام
قال تعالي عن الملائكة (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون مايؤمرون)
وقال سبحانه (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته)
وجاء في الحديث (ليلة أسري بي مررت علي جبريل عليه السلام في الملأ الأعلي كالحلس البالي من خشية الله عز وجل)
ولما عرج به صلي الله عليه وسلم رأي الملائكة منهم القائم ومنهم الراكع ومنهم الساجد فلا يقوم ومنهم المسبح (يسبحون الليل والنهار لايفترون)ومنهم الباكي ومنهم الضارع إلي ربه (وهم من خشية ربهم مشفقون ).
وهذا سيدنا آدم عليه السلام قيل بكي ستين سنة يوم أخرج من الجنة
وكان سيدنا داوود عليه السلام معروف بكثرة بكائه فلما عوتب في ذالك قال :دعوني أبكي قبل يوم البكاء
وكانت تجتمع حوله الطيور والدواب تطرب لصوته فيبكي كثيرا عليه السلام
وكان لسيدنا يحي عليه السلام خطان في خديه من كثرة البكاء
ونفس الكلام يقال عن بقية الأنبياء عليهم السلام
مظاهر البكاء في حياة النبي صلي الله عليه وسلم
1.عن مطرف عن أبيه قال : رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء
2.وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه صلي مع النبي صلي الله عليه وسلم فما مر بآية فيها رحمة إلا وقف عندها ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ وإذا مر بآية فيها تنزيه سبح)
3.وعن ابن عباس رضي الله عنها أن أبا بكر قال لرسول الله :أراك قد شبت قال :شيبتني هود واخواتها الواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت
4.وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم (إقرأ علي القرآن )قلت أقرأ عليك القرىن وعليك أنزل .قال : إني أحب أن أسمعه من غيره
قال :فقرات من اول سورة النساء حتي قوله تعالي :فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفرو ا وعصو الرسول لوتسوي بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا)فرفعت عيني فإذا عيناه تذرفان فقال أمسك.
5.وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (إني أري ما لاترون وأسمع ما لاتسمعون أطت السماء وحق لها ان تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله والله لوتعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء علي الفرش ولخرجتم إلي الصعدات تجأرون إلي الله ولوددت أني كنت شجرة تعضد)
هكذا يقول سيد الخلق فماذا يقول أمثالنا ظ
الله المستعان
6.وتري السيدة عائشة رضي الله عنها خوف رسول الله الشديد من ربه فتقول كان إذا رأي غيما أوريحا عرف في وجهه فقلت :يارسول الله إن الناس إذا رأو الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه مطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية
فقال :ياعائشة مايؤمنني أن يكون فيه عذاب عذب قوم بريح وقد رأي قوم العذاب فقالوا هذا ممطرنا ).
7.ويراه بعض الصحابة مهموما فيسألونه في ذالك فيقول (كيف أنعم وصاحب القرن قد ألتقم قرنه فغنه ينتظر متي يؤمر بالنفخ فينفخ فيه )
8.وينزل عليه جبريل عليه السلام فيجده يبكي خوفا علي أمته فيسأله ما يبكيك يارسول الله ؟
فيقول :تذكرت قوله تعالي علي لسان أخي إبراهيم عليه السلام
ربي إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فغنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم )
ثم رفع يديه إلي الله عز وجل فقال(اللهم أمتي أمتي )وبكي رسول الله صلي الله عليه وسلم وإذا بجبريل عليه السلام يجوب الآفاق ويحجب بأجنحته السبع الطباق وينزل علي رسول صلي الله عليه وسلم فيقول له إن ربك يقرئك السلام ويقول لك لاتبكي سنرضيك في أمتك ولا نسوءك(ولسوف يعطيك ربك فترضي).
9.ويخرج يوما يشيع جنازة فيجلس علي شفير القبر ويبكي حتي ابتل الثري من كثرة البكاء ثم توجه إليهم قائلا(يا إخواني لمثل هذا فأعدوا)
10.ولما كسفت الشمس علي عهده صلي الله عليه وسلم فقام للصلاة فأطال سجوده وركوعه يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول (ربي لم تعدني هذا وأنا أستغفرك ربي لم تعدني هذا وانا فيهم)
خوف الصحابة الكرام
1.هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبصر طائرا علي شجرة فيقول (طوبي لك ياطير تأكل الثمر وتقع علي الشجر.لوددت أني ثمرة ينقرها الطير
وكان يقول :ليتني شعرة في جنب عبد مؤمن
ويمسك لسانه ويقول :هذا الذي أوردني الموارد
2.وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
يقول ليتني كنت كبشا سمنني أهلي واكلوني ولم أكن شيئا
ليتني لا لي ولا علي
وسمع مرة واحد يقرأ قوله تعالي (إن عذاب ربك لواقع )فمرض منها شهرا يعوده الناس ولا يرون مابه
3.وكان سيدنا عثمان كثير البكاء يذكر القبر كثيرا
4.وعرف أبو الدرداء بهذا الخلق العظيمم
5.وقرا تميم الداري قوله تعالي (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون )جعل يكررها ويبكي حتي الصباح
6.وخوف الربيع بن خيثم رحمه الله كان كثير الخوف من الله حتي يقول عنه عبد الله بن مسعود والله هذا هو الخوف .ربما ذكروه بالآخرة والنار بقي يوما كاملا مغشيا عليه
وكان ينزل في القبر إذا شعر بقسوة في قلبه
7.وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجمع العلماء ويتذاكرون الموت حتي كأن جنازة بينهم
وكان كثير التفكر في الآخرة وعذاب القبر رحمه الله
9.وهذا الإمام الشافعي رحمه الله حين حضرته الوفاة يبكي ويقول
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب سيدي تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك ما يغوي إبليس بعابد كيف وقد غوي صفيك آدما